بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد تأملت المسألة المشهورة في حكم الأخذ من الشعر والظفر لمن أراد أن يضحي على ما جاء في حديث أم سلمة الذي رواه مسلم في صحيحه مرفوعا ( إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا )
والخلاف فيها مشهور معلوم وقد ساق الحافظ أبو عمر ابن عبد البر النمري في كتاب الاستذكار الخلاف فيها وكذلك نقله غيره
فمالك وأبو حنيفة والثوري رحمهم الله يرون جواز الأخذ والحلق قال الماوردي في الحاوي " الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ : - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ - لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَلَا يُكْرَهُ أَخْذُ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ "
وقد صرح جمع من المالكية باستحباب عدم الأخذ لمن أراد أن يضحي وقيل بأنه مكروه وهو أحد قولي الشافعي وهو المشهور ورواية مشهورة عن أحمد وقيل بأن الأخذ محرم وهو مذهب أحمد وإسحاق
وهذا ليس محل البحث ولكن محل البحث هو زمان الحكم ووقته عند من قال بالكراهة أو السنية أو التحريم أي متى يتعلق هذا الحكم التكليفي بالمكلف هذا هو محل البحث
وقد اختلف العلماء على قولين في زمان الحكم : فالمذهب الأول : أنه من دخول العشر فكل من دخل عليه العشر وهو يريد الأضحية تلبس به الحكم
وهو مذهب أكثر أهل العلم القائلين بهذا الحديث وقد صرح بذلك كثير من الحنابلة والشافعية وغيرهم استدلالا بظاهر أحد روايات حديث أم سلمة " ( إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا )
والمذهب الثاني : أنه بدخول العشر وتعيين الأضحية أو شرائها
وهو أحد الأوجه عند الشافعية وهو مذهب الأوزاعي وسعيد بن المسيب واختيار ابن حبان
وهو قول قوي يحتاج إلى تأمل وتدارس فهذا المذهب يجعل المناط في التلبس بالحكم بوجود هذين الوصفين لا أحدهما
الأول : أن يدخل العشر
الثاني : أن يعين الأضحية
فإن دخل العشر وهو لم يشترها فلا يلزمه الحكم وإذا اشتراها تعلق به الحكم ولا تكفي نية الأضحية بل لابد من دخول العشر وتعيين الأضحية
قال الماوردي في الحاوي : وَالْوَجْهُ الثَّانِي – عند الشافعية - : أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَهُ حَتَّى يَشْتَرِيَهَا أَوْ يُعَيِّنَهَا مِنْ جُمْلَةِ مَوَاشِيهِ ، فَيُكْرَهُ لَهُ بِالشِّرَاءِ وَالتَّعْيِينِ أَخْذُ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ وَلَا يُكْرَهُ بِالْعَزْمِ وَالنِّيَّةِ قَبْلَ التَّعْيِينِ
أدلة هذا القول :
أولا : ما رواه مسلم من طريق سعيد بن المسيب عن أم سلمة تقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي ) فقوله " من كان له ذبح يذبحه " أي أنه عينه ومن المعلوم أن الأضحية إذا تعينت لا يستطيع العبد أن يرجع عن نية الاضحية
ثانيا : هذا الفهم هو ما فهمه راوي حديث المنع وهو ابن المسيب الراوي عن أم سلمة وهو عند مسلم في صحيحه وفيه أن عمر بن مسلم بن عمار قال : كنا في الحمام قبيل الأضحى فإذا أناس قد أطلوا فقال بعض من في الحمام : إن سعيد بن المسيب يكره هذا وينهى عنه قال : فلقيت سعيد بن المسيب فذكرت ذلك له فقال : ابن أخي إن هذا حديث قد نسي حدثتني أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دخل العشر وعند أحدكم ذبح يريد أن يذبحه فليمسك عن شعره وأظفاره ) فقوله وعند أحدكم ذبح يريد أن يذبحه أي أنه قد عينه وحدده
بل رواه الطحاوي عن كثير بن أبي كثير سأل سعيد بن المسيب : أن يحيى بن يعمر يفتي بخراسان - يعني كان يقول - : « إذا دخل عشر ذي الحجة ، واشترى الرجل أضحيته ، فسماها ، لا يأخذ من شعره وأظفاره » ، فقال سعيد : قد أحسن ، كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون ذلك ، أو يقولون ذلك والحديث مقيد بقول " واشترى أضحيته " والحديث واحد ولابد من توليف ألفاظه
وقد بوب ابن حبان في صحيحه هذا المعنى بقوله ( ذكر البيان بأن هذا الفعل إنما زجر عنه لمن عنده أضحية يريد ذبحها وأهل عليه هلال ذي الحجة وهي عنده دون من اشتراها بعد هلاله عليه " ثم ساق حديث سعيد المسيب
ثالثا : الدليل من النظر
أن من لم يشتر الأضحية ونوى أن يضحي وأمسك جاز له أن يفسخ نيته ولا إشكال ولا حرج عليه بخلاف ما إذا عينها وحددها فإنه لا يستطيع الفكاك منها فهذا يدل على أن النية لم تكن هي الوصف الكافي لتعليق الحكم بل بوجود الوصفين وهو هلال ذي الحجة وتعيين الأضحية وهذا القول قوي ويعضده صريح الدليل من السنة فقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الوصف في قوله " واشترى أحدكم أضحيته " واللفظ الآخر " وله ذبح بذبحه " هذه أوصاف مؤثرة في الحكم يؤيدها أيضا فهم راوي الحديث عن أم سلمة وهو سعيد بن المسيب
وقد تعجب النووي رحمه الله من هذا القول وحكم عليه بالشذوذ فقال كما في المجموع " وحكى الرافعي وجها ضعيفا شاذا أن الحلق والقلم لا يكرهان الا إذا دخل العشر واشترى أضحية أو عين شاة أو غيرها من مواشيه للتضحية وحكى قولا انه لا يكره القلم وهذه الاوجه كلها شاذة ضعيفة (والصحيح) كراهة الحلق والقلم من حين تدخل العشر " إ.هـ
فيحتمل أن المقصود بالشذوذ عنده أي في أقوال المذهب كما هو معلوم في تحرير المذهب
فهذا القول له حظ من النظر
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
|