أسئلة متعلقة بمسألة صلاة العيد هذا العام في البيوت بسبب جائحة كورونا - الشيخ: سليمان خالد الحربي

المادة
أسئلة متعلقة بمسألة صلاة العيد هذا العام في البيوت بسبب جائحة كورونا - الشيخ: سليمان خالد الحربي
1878 زائر
20-05-2020 05:35
فضيلة الشيخ: سليمان بن خالد الحربي

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :

سئل فضيلة الشيخ /

سليمان بن خالد الحربي حفظه الله .

عدة أسئلة متعلقة بمسألة صلاة العيد هذا العام في البيوت بسبب جائحة كورونا ، فأجاب حفظه الله :

الصحيح في صلاة العيد :

أنها تُصلَّى في البيوت على صفتها فُرادى أو جماعة بأهله بلا خطبة.

وقد صدرت الفتوى من سماحة المفتي بذلك، وهذا هو الصواب،

وإليك التفصيل:

صلاة العيد في هذا العام لن تكون في المصليات ولا في الجوامع، بسبب الوباء،

وقد اختلف العلماء في شروط صلاة العيد وفي حكمها،

لكن ينبغي التنبيه على أمر مهم جدًّا قبل التحدث عن المسألة غفل عنه بعض من تكلم فيها:

فمشهور مذهب الحنابلة أنه يُفرَّق بين شرط الوجوب أو فرض إسقاط فرض الكفاية ، وبين صحة الصلاة، فقد يشترطون العدد والاستيطان مثلًا، لكنه شرط لفرض الكفاية أو الوجوب وليس للصحة، فقد نصُّوا على جواز صلاتها في البيت للمنفرد والجماعة والمسافر والمرأة تبعًا،

أي: أن فعلهم لا يُسقط فرض الكفاية، ولذلك فقد نصُّوا على أن اشتراطهم للعدد وللاستيطان إنما هو شرط وجوب لا شرط صحة، أو هو شرط إسقاط فرض الكفاية فقط دون أن يمنعوا من صلاتها.

قال ابن قاسم في حاشيته على الروض عند قول صاحب الزاد (ومن شروطها استيطان وعدد جمعة)، قال: (أي: التي يسقط بها فرض الكفاية؛ لأن المنفرد تصح منه بعد صلاة الإمام، وبعد الوقت. وقال ابن نصر الله: المراد شرط وجوب صلاة العيد، لا شرط صحتها) ا.هـ.

وقال البهوتي في حاشيته على الإقناع: (قوله: (ولصحتها استيطان وعدد الجمعة)، أي: يُشترط لصحة صلاة العيد ذلك) ا.هـ.

وقال في حاشيته على المنتهى: (ولعل المراد شرط الصلاة التي يسقط بها فرض الكفاية، بدليل أن المنفرد تصح صلاته بعد صلاة الإمام وبعد الوقت) ا.هـ.

فعلى ذلك:

فمشهور المذهب الحنبلي لا يمنع من صلاتها في البيت، بل نص الحنابلة -وهو مشهور المذهب- أنه يُستحب أن يجمع أهله ويُصلي بهم إذا فاتتهم الصلاة، وهو قول مالك والشافعي والنخعي وأبي ثور، وغيرهم.

قال ابن قدامة: (وإذا فاتته الصلاة استحب له أن يقضيها) ا.هـ.

فدل على أن المذهب حينما يتكلم عن الاستيطان والعدد إنما هو لشرط الوجوب أو إسقاط فرض الكفاية.

واستدل الحنابلة بأنه ثبت عن الصحابة وعن السلف، قال البخاري في "صحيحه": (باب إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ، وَمَنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ وَالْقُرَى. لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: هَذَا عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ.

وَأَمَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَوْلَاهُمُ ابْنَ أَبِي عُتْبَةَ بِالزَّاوِيَةِ، فَجَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ وَصَلَّى كَصَلَاةِ أَهْلِ الْمِصْرِ وَتَكْبِيرِهِمْ.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَهْلُ السَّوَادِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْعِيدِ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يَصْنَعُ الإِمَامُ.

وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) ا.هـ.

فهذه الآثار التي ساقها البخاري -وهو اختياره- تدل على أنه ليس من شرط الصحة العدد أو الاستيطان، بل ذهب مالك والشافعي ورواية عن الإمام أحمد والليث والأوزاعي وهو قول الحسن البصري:

إلى أنهما ليسا بشرط مطلقًا لا لفرض الكفاية ولا للوجوب، فتصح مطلقًا لكل شخص حتَّى من أراد أن يصلي في البيت ولو بغير عذر أو بسبب فوتها مع الإمام، وهذا أوسع المذاهب.

قال ابن المنذر: (ورُوي عن الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُسَافِرِ يَأْتِي عَلَيْهِ يَوْمُ عِيدٍ: إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْأَضْحَى ذَبَحَ.

وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، وَمُجَاهِدٍ: أَنَّهُمَا كَانَا فِي يَوْمِ فِطْرٍ مُتَوَارِيَيْنِ زَمَانَ الْحَجَّاجِ، فَتَكَلَّمَ أَبُو عِيَاضٍ وَدَعَا لَهُمْ وَأَمَّهُمْ بِرَكْعَتَيْنِ.

وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ فِي صَلَاةِ ‌الْعِيدِ: تُصَلَّى فِي ‌الْبَادِيَةِ الَّتِي لَا جُمُعَةَ فِيهَا، وَتُصَلِّيهَا الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا، وَالْمَرْأَةُ، وَالْمُسَافِرُ) ا.هـ.

وقال الطحاوي: (قَالَ مَالك وَاللَّيْث فِي أهل ‌الْبَادِيَة: لَا بَأْس بِأَن يُصَلِّي بهم وَاحِد مِنْهُم فِي ‌الْعِيد رَكْعَتَيْنِ، يجْهر فيهمَا بِالْقِرَاءَةِ، وَيُكَبِّر سَبْعًا وَخَمْسًا. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: يُصَلِّي بهم رَكْعَتَيْنِ، ويعظهم وَهُوَ جَالس، وَلَا يرفع صَوته فِي قِرَاءَته) ا.هـ.

فكل هذا يدل على جوازها في غير الجامع أو المصلى، وأنها تجوز في البوادي والبيوت.

وعليه: فكل هؤلاء العلماء يجيزونها مع غير الامام الراتب في جماعة المسلمين، ولم يفرعوا على أن الإمام صلاها أم لا.

ولذلك فقياس صلاة العيد على صلاة الجمعة قياس مع الفارق، فصلاة الجمعة من شرطها الاستيطان عند عامة العلماء، بل حُكي الإجماع عليه ،

خلافًا للظاهرية، فلا تصح إقامتها عندهم من منفرد ، ولا من جماعة في سفر، ولا المعذور في البيت، بل إن مالكًا اشترط الجامع، وأبا حنيفة اشترط المصر ، وهكذا ، بخلاف صلاة العيد ، فجمهور العلماء أجازوها من المنفرد والمسافر والمريض، ومن فاتته الصلاة، ومن في البادية، فالقياس مع الفارق، خلافًا لأبي حنيفة.

وكذلك قياس فرض الكفاية على فرض العين قياس مع الفارق أيضًا،

بل لو أردنا القياس لقسناه على صلاة الجنازة، فأجاز بعض العلماء -وهو مشهور المذهب- صلاة الغائب ولو بدون عذر، مع أن فرض الكفاية قام في البلد، واختلفوا لمن كان داخل البلد.

وفي مثل هذه الجائحة صدرت الفتوى بجواز صلاة الغائب مطلقًا مع قيام فرض الكفاية.

وكذلك القول بأن صلاة العيد في البيوت بدلًا عن الصلاة في المساجد، فكما سبق أن من قال: إنها فرض كفاية . جعل الشروط للوجوب أو إسقاط فرض الكفاية، وليس للصحة، ولذلك صححها للمرأة وللمسافر المنفرد في سفره ونحوه .

قال ابن رجب: (وليست العيد كالجمعة؛ ولهذا يصليها الإمام والناس معه إذا لم يعلموا بالعيد إلا من آخر النهار من غد يوم الفطر، والجمعة لا تُقضى بعد خروج وقتها، ولأن الخطبة ليست شرطًا لها، فهي كسائر الصلوات، بخلاف الجمعة) ا.هـ.

وأما القول بسقوط صلاة العيد بسبب المرض، فهذا يحتاج إلى دليل،

فإن قصد بالسقوط سقوط فرض الكفاية، فهذا لا إشكال، ولا ينفي صحتها لمن صلاها،

فإذا كان جمهور العلماء نصُّوا على صلاتها قضاء مع قيام فرض الكفاية ، فكونها تصلى مع عدم قيام فرض الكفاية بصلاة الإمام وجماعة المسلمين في المصليات والجوامع من باب أولى .

ولذلك العلماء الذين أجازوا صلاة الغائب اختلفوا في الضابط لها وأجازوها فيمن لم يصل عليه .

وأما تخصيص الجواز بمن فاتته فقط، فهذا غير صحيح، وأنس رضي الله عنه نُقِل عنه أنه كان يُصلي خارج المصر، وليس ممن فاتته الصلاة أيضًا، وأشار إلى هذا الإمام أحمد.

وقد روى الطحاوي وغيره بسند صحيح عن عُبيد الله بن أبي بكر، عن جده أنس بن مالك: (أنه كان إذا لم يشهد العيد مع الناس بالبصرة ، جمع أهله وولده ومواليه، ثم يأمر مولاه عبد الله بن أبي عتبة أن يصلي بهم كصلاة المصر. قال: يُكَبِّر بهم تسع تكبيرات، خمس في الأولى، وأربع في الآخرة، ويوالي بين القراءتين) ا.هـ.

قال ابن رجب معلقًا على حديث (هذا عيدنا أهل الإسلام): (النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل العيد عامًّا لأهل الإسلام كلهم، فدل على أنهم يشتركون فيما يشرع فيه جميعهم؛ رجالهم، ونساؤهم، أهل أمصارهم، وأهل قراهم، فتكون صلاة العيد مشروعة لجميعهم من غير تخصيص لأحد منهم) ا.هـ.

وأما صفة الصلاة: فالصحيح أنها تُصلى على صفتها بالتكبيرات الزوائد، وهو فعل أنس رضي الله عنه.

وحيث إن الإمام أمر بعدم إقامتها في جموع الناس، فلا إشكال في صلاتها على صفتها كما فعل أنس رضي الله عنه.

قال قتادة -كما عند عبد الرزاق-: (من فاتته الصلاة يوم الفطر صلى كما يصلي الإمام).

وهو قول مالك والشافعي وأحمد والليث،

قال مالك -كما في المدونة-: (ومن ‌فاتته ‌صلاة ‌العيد مع الإمام فإن شاء صلى أو ترك ، واستحب له مالك: أن يصليها كصلاة الإمام) ا.هـ.

والعلماء إنما اختلفوا في صفة صلاة من فاتته صلاة العيد: فهل له استداركها أم يتنفل تنفل صلاة الضحى؟

واختلفوا في عددها وصفتها على أقوال:

1- يُصلي من فاته العيد ركعتين بغير تكبيرات الزوائد.

2- وقيل: يُخيَّر: إن شاء صلى بتكبير، وإن شاء صلى بغير تكبير.

3- وقيل: يُصلي أربع ركعات.

وهل يُصلي الأربع بسلام واحد، أو يخير بين ذلك وبين صلاتها بسلامين؟ فيه قولان.

4- وقيل: يُخَيَّر بين أن يصلي ركعتين أو أربعًا.

والأربع صحَّت عن ابن مسعود وعن علي رضي الله عنهم.

5- وقيل: إن صلى من فاته العيد جماعة صلى كصلاة الإمام ركعتين كما فعل أنس، وإن صلَّى وحده صلَّى أربعًا كما قال ابن مسعود.

6- وقيل: إن صلاها في بيته صلاها أربعًا كالظهر، وإن صلاها في المصلى صلاها ركعتين بالتكبير.

وحيث إن مسألتنا ليست في القضاء بل هي أداء، فالصحيح: أنها تُصلَّى كصفتها.

وأما الخطبة: فقد اختلف أهل العلم فيها على قولين.

والصحيح: أنه يُخَيَّر فيها إن كان يُصلي جماعة دون المنفرد والمرأة.

والأولى عدمها؛ لأن الخطبة ليست من شروط صلاة العيد باتفاق العلماء، ولا يجب سماعها باتفاقهم أيضًا، وقد نصَّ الحافظ ابن رجب أن من فاتته صلاة العيد لا يخطب، قال: (لا يخطب لها خطبة الإمام؛ لأن فيهِ افتئاتًا عليهِ وتفريقًا للكلمة) ا.هـ.

لكن لو أحبَّ أن يخطب فلا حرج؛ لأنها ليست مقضية، لكن يشكل عليه أن الخطبة إنما تكون في المجامع العامة وليست الخاصة، ولذلك الصحابة الذين لم يصلوا مع الإمام في عرفة -كابن مسعود وغيره- إذا فاتتهم الصلاة يصلونها بلا خطبة .

وقد صدرت فتوى سماحة المفتي العام بصلاتها في البيوت، فجزاه الله خيرًا.

والله أعلم.

الثلاثاء ١٤٤١/٩/٢٦

   طباعة 
0 صوت
التعليقات : تعليق
« إضافة تعليق »
إضافة تعليق
اسمك
ايميلك

/500
تعليقك
3 + 8 = أدخل الكود
Powered by: MktbaGold 6.6