| باب هاء الكناية
هاء الكناية هي الهاء الزائدة الدالة على الواحد المذكر الغائب وتسمى عند القراء ب (هاء الضمير) وتنبه إلى أن الهاء ليست أصلية من الكلمة فمثلا ( ما نفقه ) الهاء أصلية ومثل ( ولما توجه ) الهاء أصلية ومثل ( فواكه كثيرة ) ونحوها وهي تتصل بالفعل ، نحو ( يؤده ) ، وبالاسم نحو ( أهله ) ، وبالحرف نحو ( عليه ) وتسمى الكناية لأنه يكنى بها عن الاسم الظاهر الغائب اختصارا كما في سائر الضمائر والأصل فيها الضم إلا أن يتقدمها ياء ساكنة فتكسر طلبا للتشاكل
والخلاف الواقع بين القراء في هذه الهاء إما بالنسبة إلى صلتها بواو أو ياء وإما في تحريكها لضم أو كسر غير موصولة بواو ولا ياء ويسمونه قصرا وإما في إسكانها
وقد قال بعض الشراح إن استخراج أحكام الكلمات من هذه الأبيات عسر وسنذكر ضابطا جيدا لها في آخر الشرح
ولها أربع حالات بحسب ما قبلها وما بعدها وسيذكرها الناظم وبدأ بنوعين اتفق القراء عليهما فقال :
158 - وَلَمْ يَصِلُوا هَا مُضْمَرٍ قَبْلَ سَاكِنٍ وَمَا قَبْلَهُ التَّحْرِيكُ لِلْكُلِّ وُصِّلاَ
أي لم يصل القراء هاء الضمير إذا كان بعدها حرف ساكن لئلا يجتمع ساكنان بل تحرك بضمة أو كسرة بدون مد الصلة مثل (( له الملك وله الحمد ) ( ربه الأعلى ) فجميع القراء على عدم الصلة
واستثني من ذلك قراءة البزي في قوله تعالى ( عنه~ تَّـلهى ) فإنه يمدها مدا لازما
ولم يفصل المؤلف فيما قبل هاء الضمير عل هو متحرك أم ساكن بل على إطلاقه كلما وقع بعد هاء الضمير حرف ساكن فلا صلة هذه هي الحالة الأولى
ثم ذكر في الشطر الثاني من البيت الحالة الثانية المتفق عليها أنه متى وقعت هاء الضمير بعد متحرك وجب وصلها بما يجانسها في الحركة من واو أو ياء ( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه ) وقوله ( أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره )
وليعلم أنه لا يحتاج أن يحترز فيقال " أن يكون ما قبلها متحرك وما بعدها متحرك" كما يفعله بعض الشراح لأن الحالة الأولى أطلقنا أنه متى ما كان بعد هاء الضمير حرف ساكن فإن القراء لا يصلون مطلقا فتنبه
159 - وَمَا قَبْلَهُ التَّسْكِينُ لابنِ كَثِيرِهِمْ وَفِيهِ مُهَاناً مَعْهُ حَفْصٌ أَخُو وِلاَ
هذا الحالة الثالثة إذا كان قبل هاء الضمير حرف ساكن فأخبر عن ابن كثير أن له الصلة وبقية القراء على عدم الصلة فابن كثير له أصل ينفرد عن بقية القراء في هذا الباب وسبق أن ابن كثير له أصل في الصلة في ميم الجمع وكذلك له الصلة في هاء الضمير في حالات ستأتي
وأصله أنه يصل هاء الضمير إذا سكن ما قبلها سواء كان الساكن حرفا صحيحا مثل " منه ، عنه " أو حرف علة مثل " عليه ، فيه ، اجتباه ، عقلوه " وهي لغة فصيحة
وقد وافق حفص ابن كثير في كلمة واحدة في القرآن وهي قوله تعالى " فيه مهانا" وأراد الجمع بين اللغتين
وقوله " أخو ولا " بكسر الواو أي أخو متابعة له في مذهبه ويقال لمن لزم شيئا أخو كذا
وسيأتي أن حفصا لم ينفرد في مشاركة ابن كثير في حرف من الحروف بل كذلك وافق ابن كثير هشام في قوله تعالى " أرجئه " فإنه يقرؤها بالهمز والصلة في الهاء مع أن ما قبلها ساكن
ولا يحتاج أن ننبه إلى أنه لا يلوم أن نحترز فنقول إذا كان فبلها ساكن وبعدها متحرك لأنه كما سبق في الحالة الأولى ما كان بعد هاء الضمير حرف ساكن فكل القراء على عدم الصلة
160 - وَسَكِّنْ يُؤَدِّهْ مَعْ نُوَلِّهْ وَنُصْلِهْ وَنُؤْتِهِ مِنْهَا فَاعَتَبِرْ صَافِياً حَلاَ
بدأ بذكر عشر كلمات اختلف القراء في هاء الكناية
فبدأ بـ " يؤده ، نوله ، نصله ، نؤته "
فقرأ بسكون الهاء في ( يؤده – نوله – نصله – نؤته ) كل من حمزة وشعبة وأبو عمرو وبقية القراء على الأصل فيما سبق وذلك أنه قبل هذه الكلمات الأربع حرف متحرك وليس بعده ساكن فهم يصلونها بالاتفاق
وقد وقع للناظم شيء عجيب وهو أنه لفظ بالأنحاء الثلاثة لاختيار القراء في هاء الضمير في هذا البيت فمنهم من يسكن ومنهم من يقصرها بغير صلة ومنهم من يصلها فتأمل
وإسكان الهاء لغة فصيحة للعرب وهي سهلة صافية ولهذا قال الناظم " فاعتبر صافيا حلا" فهو لفظ سهل والعرب تقول " لهْ مال " و " عندهْ مال " وهي لغة دارجة في زمننا
161 - وَعَنْهُمْ وَعَنْ حَفْصٍ فَأَلْقِهْ وَيَتَّقِهْ حَمى صَفْوَهُ قَوْمٌ بِخُلْفٍ وَأَنْهَلاَ
ثم ذكر حرفا آخر وهو " فألقه إليهم " في سورة النمل فذكر أنه يسكنها من سبق ذكرهم ولهذا قال " وعنهم " وهم حمزة وشعبة وأبو عمرو ودخل معهم حفص الكوفي فيكون عاصم بتمامه أي عاصم وحمزة وأبو عمرو قرؤوها بالإسكان والبقية بالكسر مع الصلة على الأصل كما سبق
ثم ذكر حرفا آخر وهو " ويتقه فأولئك هم الفائزون " في سورة النور وفيه ثلاث قراءات فذكر القراءة الأولى وهي الإسكان فالواو في قوله " ويتقه " من الحرف القرآني أو هي الواو الفاصلة " ويتقه " قرأها بالإسكان أبو عمرو البصري وشعبة وخلاد بخلف عنه ثم ذكر القراءة الأخرى فقال
162 - وَقُلْ بسُكُونِ الْقَافِ وَالْقَصْرِ حَفْصُهُمْ وَيَأْتِهْ لَدَى طه بِالْاسْكَانِ يُجْتَلا
وذكر في هذا البيت قراءة حفص الكوفي فقال إنه بسكون القاف مع قصر الهاء أي مع عدم الصلة وسبق أن القصر في هاء الكناية أي الاكتفاء بالحركة ، والحركة هنا هي الكسرة وإن كان الناظم لم يذكر حركة الكسرة لكنها هي الأصل فإن سكون القاف عارض ولو ان غيرها لأشار الناظم لأن بقية القراء يقرؤونها بالكسرة مع الصلة فلو كان يخالفهم لأشار إلى ذلك
وبقية القراء على قاعدتهم الكسر مع الصلة لأن الهاء سبقت بمتحرك وليس بعدها حرف ساكن
ثم انتقل إلى حرف جديد وهو قوله تعالى " ومن يأته مؤمنا " فأخبر أن السوسي يقرؤها بإسكان الهاء وبقية القراء على أصلهم وهو الكسر مع الصلة
ومعنى " يجتلا " أي ينظر إليه بارزا كاجتلاء العروس أي أن هذا الوجه ظاهر مشهور
163 - وَفي الْكُلِّ قَصْرُ الْهَاءِ بانَ لِسَانَهُ بخُلْفٍ وَفي طه بِوَجْهَيْنِ بُجِّلاَ
انتقل الناظم إلى حكم الصلة في الكلمات السابقة عند من يحرك الهاء وأما من يسكنها فلا حركة ولا صلة فقال إن جميع الكلمات يقرؤها بالقصر أي بلا صلة قالون وهشام بخلاف عنه والوجه الثاني مع المسكوت عنهم وهم من يقرؤها بالصلة
ثم انتقل إلى الحرف الآخر وهو " يأته مؤمنا " وذكر أن لقالون وجهين فيها وهو الصلة والثاني القصر والبقية على الأصل أنهم يقرؤونها مع الصلة
وقد اختلف الشراح في العطف في قوله " وفي طه بوجهين لجلا " هل هو مقطوع عما سبق أم أنه متصل فما سبق ذكر أن لقالون وجها واحدا وهشام وجهان فهل العطف فقط لقالون وحده أم أنه لقالون الخلاف وهشام الخلاف لاسيما أنه ذكر عن هشام الخلاف والذي عليه القراءة أن الشطر الآخر خاص بقالون وحده في كلمة " يأته "
164 - وَإِسْكَانُ يَرْضَهُ يُمْنُهُ لُبْسُ طَيِّبٍ بِخُلْفِهِمِاَ وَالْقَصُرَ فَاذْكُرْهُ نَوْفَلاَ
165 - لَهُ الرُّحّبُ ...............
انتقل الناظم إلى حرف جديد وهو قوله تعالى " يرضه لكم " فسكن الهاء السوسي بلا خلاف وأسكنها هشام بخلاف عنه ودوري أبي عمرو بخلاف عنه لقوله " بخلفهما " وأخبر أنه يقصرها بلا صلة حمزة وعاصم وهشام ونافع
وعند تركيب البيت للكلمات القرآنية تنبه لقراءة هشام والدوري كما سيأتي
الإسكان قولا واحدا للسوسي
التحريك بغير صلة والإسكان لهشام
الإسكان والتحريك مع الصلة لدوري أبي عمرو
القصر فقط لحمزة وعاصم ونافع
تحريكها بالصلة للبقية
165 - لَهُ الرُّحّبُ وَالزِّلْزَالُ خَيْراً يَرَهْ بِهَا وَشَرًّا يَرَهْ حَرْفَيْهِ سَكِّنْ لِيَسْهُلاَ
ثم انتقل إلى كلمة أخرى وهي " يره " في قوله ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) ولهذا قال والزلزال أي في سورة الزلزلة في موضعين ولهذا قال " حرفيه " وقد ذكرهما في البيت أيضا تأكيدا
فقرأ هشام بإسكان الهاء والبقية على القاعدة السابقة وهي الصلة بالضم
وقوله " ليسهلا " ألف التثنيو وهما الكلمتان المتكررتان
166- وَعى نَفَرٌ أَرْجِئْهُ بِالْهَمْزِ سَاكِناً وَفي الْهَاءِ ضَمٌّ لَفَّ دَعْوَاهُ حَرْمَلاَ
انتقل المؤلف رحمه الله إلى كلمة ( أرجئه ) بالهمز .
قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، بالهمز الساكن فتعين لبقية القراء عدم الهمز " أرجه "
ثم ذكر أن هشاما وابن كثير وأبا عمرو ضموا الهاء فيكون كل من همز ضم الهاء إلا ابن ذكوان
167 - وَأَسْكِنْ نَصِيراً فَازَ وَاكْسِرْ لِغَيْرِهِمْ وَصِلْهَا جوَاداً دُونَ رَيْبٍ لِتُوصَلاَ
أخبر الناظم أن هناك من أسكن الهاء وهو عاصم وحمزة وسبق أن هؤلاء لا يهمزون فصارت قراءتهم " أرجهْ "
وأخبر عن بقية القراء أنهم يكسرون الهاء أي لغير أصحاب الضم ولغير صاحبي الاسكان فبقي الكسر لنافع والكسائي وابن ذكوان
ثم انتقل إلى حكم الصلة في الهاء فوصلها ورش وابن كثير والكسائي وهشام
الخلاصة :
1- قرأ قالون : بدون همز مع كسر الهاء بدون صلة .
2- قرأ ورش والكسائي : بدون همز مع كسر الهاء مع الصلة .
3- قرأ ابن كثير وهشام : بالهمز مع ضم الهاء مع الصلة.
4- قرأ أبو عمرو : بالهمز مع ضم الهاء بدون صلة .
5- قرأ ابن ذكوان : بالهمز مع كسر الهاء بدون صلة .
6- قرأ عاصم وحمزة : بدون همز مع إسكان الهاء بدون صلة .
وعليه فهشام وافق ابن كثير في مذهبه بالصلة في كلمة ( أرجئه ) ولم يبين ذلك المؤلف كما سبق .
|